الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. logo إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
السلف الصالح بين العلم والإيمان
13061 مشاهدة print word pdf
line-top
صور من ثبات السلف على الحق

أمثلة ذلك كثيرة كما اشتهر أن أبا بكر لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم مرة بالصدقة جاء بكل ما عنده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله يعني: أنني وثقت بأن الله تعالى هو الذي سوف يرزقني.
واشتهر عن الإمام أحمد عن زوجته أم عبد الله أنها تقول: إن أفرح ما يسر به أحمد إذا قلت له: إن الدقيق قد انقضى وقد انتهى ما عندنا من الدقيق الذي هو الطعام تقول: إنه يقول: يتعلق الآن رجائي بالله، وأعلم أنه الذي يأتي بالرزق، وأنه الذي يسهل الأسباب. إذا قالت له امرأته: قد نفذ الطعام فرح بذلك؛ وذلك لأنهم يعلمون أن ما عند الله تعالى هو الباقي، وهذا كله من آثار الإيمان السليم الصحيح الذي أدلته كما ذكرنا عن تلك النصوص القوية.
ولا شك أيضا أن من آثار إيمانهم. إظهارهم للحق أمام من عاند ومن خالف، فمثلا الإمام أحمد رحمه الله في عهده في أول القرن الثاني تمكن بعض المبتدعة من بعض الخلفاء، ودعوا إلى بدعة التجهم التي: هي إنكار الصفات، والقول بأن كلام الله مخلوق، وبأن القرآن ليس بكلام الله. فثبت الإمام أحمد وصبر على ما صبر عليه من السجن، ومن الضرب ومن الجلد وما أشبه ذلك.
أليس ذلك دليلا على قوة الإيمان الذي رسخ في قلبه؟ وذلك لأنه خاف على الأمة - أنه إذا داهن، ووافق أولئك الضلال الدعاة إلى الضلال، يضمحل الحق، ويظهر الباطل، فلما ثبت على ذلك كانت الأمة معه متقدمها ومتأخرها. كان جميع السلف يشهدون بأنه هو الذي على الحق وأنه الذي يؤيده الدليل.
هذا ما الذي حمله على الصبر على الأذى في ذات الله على السجن وعلى الضرب وعلى الجلد الشديد القوي أمام أولئك الظلمة -من الدعاة إلى الضلال الذين زينوا للخليفة أن يجلده أو أن يقتله؟ لا شك أن الذي حمله على الصبر هو ثقته بأنه على حق، وإيمانه بأنه على يقين، وأن ما سوى ذلك فأنه باطل، وأن أقوالهم باطلة لا دليل عليها؛ فإذن هذا بلا شك هو الإيمان.
فمن أراد أن يرسخ الإيمان في قلبه، فليأخذه من معادنه التي هي كتب السنة التي بين العلماء فيها عقيدة السلف وأدلتها، وليعرف أيضا شيئا من سيرة السلف رحمهم الله، وبيان عقيدتهم، ولا شك أن عقيدتهم هي عقيدة الفرقة الناجية التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنها على الحق كما في قوله عليه الصلاة والسلام: ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قيل: من هي يا رسول الله؟ قال: من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي .
وشهادته لأصحابه بأنهم الفرقة الناجية دليل على أنهم على الصواب سواء فيما يتعلق بالعقيدة، أو فيما يتعلق بالبدع.
وبيان أن من بعدهم أقل منهم ثوابا ولكن الذين يلونهم أخف خطأ، والذين يلون التابعين أكثر خطأ من التابعين، ومن بعدهم فشت فيهم البدع وتمكنت، فهذا بيان لما اشتملت عليه عقيدة السلف، وآثار الإيمان الذي آمنوا به وأدلته؛ فمن اتبعهم في العقيدة وفي العلم وفي العمل، رجي أن يحشر في زمرتهم. ومن ركب بنيات الطريق، وابتدع ما ابتدعوه، وسلك البدع الضالة كبدعة الرفض، أو بدعة الخروج على السنة، أو الاعتزال، أو إنكار القدر، أو ما أشبه ذلك، فإنه قد أتى بسبيل من سبل الضلال أو وقع فيه.
وكذلك من خاض في العلوم التي ليست شرعية، واشتغل بها عن العلوم الشرعية كمن يشتغل –مثلا- بعلم الفلسفة الذي هو مضاد لعلم الشريعة، وكذلك العلوم التي تشغل عن علم الشريعة العلم الصحيح الذي هو دين الله تعالى وميراث أنبيائه. من اشتغل بما يضاده وبما هو بعيد عنه، فإنه بلا شك قد حرم نفسه العلم الصحيح.
ونحن لا نقول: إن الإنسان يجب عليه أن لا يتعلم إلا الآيات والأحاديث وما في معناهما، بل يباح له أن يتعلم شيئا من العلوم الجديدة، ولكن بشرط ألا يضار بالعلم الصحيح، ولا يبخسه حقه، وأن يعطي العلم الشرعي نصيبا كافيا حتى يكون على بصيرة من دينه سواء فيما يتعلق بالاعتقاد أو فيما يتعلق بالعمل.
نسأل الله أن يرزقنا حسن الاستماع والاتباع، وأن يجعلنا من أهل الاستقامة والسير على طريق السلف ومن المتمسكين بالسنة والسائرين على نهج نبينا صلى الله عليه وسلم والله أعلم وصلى الله على محمد .
الأسئلة
حمدا لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شكر الله لفضيلة الشيخ على ما قدم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله في ميزان أعماله يوم أن نلقاه، ونسأل الله سبحانه وتعالى أيضا أن ينفع بما سمعنا، وأن يجعله حجة لنا لا علينا.
كثير من الأسئلة التي وردت في الحقيقة هي أسئلة شخصية يعني: وهذه الأسئلة يعني نفضل أن يتصل بالشيخ، أو أنه يتصل بأحد المشائخ لعرضها عليه وأخذ الإجابة على هذه الأسئلة، وهي أسئلة فقهية، وبعضها أسئلة خاصة.
وأما بعض الأسئلة أيضا أجيب عليها في خلال أو في ثنايا المحاضرة، والأسئلة التي وردت في المحاضرة وبعضها أسئلة أيضا مهمة.
س: فالسؤال الأول: يقول السائل: ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم حديث بمعناه: أنه يكون في آخر هذه الأمة قوم أجر أحدهم كأجر سبعين من الصحابة.
السؤال: ما صحة هذا الحديث؟ وهل معنى هذا الحديث أن هؤلاء القوم أفضل من الصحابة أم الأفضلية في الأجر فقط؟ وهل يعد هذا الزمان هو ذلك الزمان الذي يكون أجر العامل الواحد منهم بأجر خمسين من الصحابة؟
الجواب: هذا الحديث صحيح، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما ذكر آخر الزمان وما فيه من البدع قال: العامل فيه أو المتمسك فيه بدينه كالقابض على الجمر من كثرة المخالف وقلة الموافق للعامل فيها أجر خمسين يعملون مثل عمله. قالوا: منا أو منهم؟ قال: بل منكم .
فنقول أولا: لا نشك بأن الصحابة حازوا قصب السبق. قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبعض المتأخرين من أصحابه قال: لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه يريد بذلك السابقين من الصحابة كالمهاجرين الأولين، والذين أسلموا من قبل الفتح.
يريد أنهم أفضل من المتأخرين، وإن كان الجميع صحابة؛ أن أولئك الذين أسلموا قديما، وصبروا على اللأواء، وهاجروا، وفارقوا بلادهم وأموالهم، وتركوها لله تعالى، وتكبدوا المشاق، وبقوا فقراء ليس بأيديهم شيء، وآثروا ذلك على أموالهم وبلادهم المحبوبة لديهم. ما حملهم إلا لذة الإيمان التي رسخت في قلوبهم. لما أن الإيمان باشر بشاشة قلوبهم هجروا لأجله اللذات، وهجروا لأجله البلاد، فاستحقوا بذلك مضاعفة الأجر بحيث لا يسبقهم من بعدهم.
وأما هذا الحديث، فإنه في أناس أيضا متمسكين غاية التمسك بدينهم عاضين عليه بالنواجذ مع كثرة المخالفين، وقلة الموافقين. في أناس يأتون في آخر الزمان يعرفون السنة، ويعرفون أدلتها، ويظهرون العمل بالشريعة مع أن الناس ضدهم هذا يلمزهم، وهذا يعيبهم، وهذا يوشي بهم عند الولاة مثلا؛ يلقون سجنا يلقون ضربا، يلقون مضايقات، يلقون رجما بحجارة، يلقون سبابا وذما وتوبيخا، واستهزاء بأعمالهم، واستهزاء بحياتهم وبسيرتهم، فيكون ذلك كله لا يزيدهم إلا تصلبا، وتمسكا بما هم عليه من السنة ومن الطريقة المحمدية، ويصبرون على اللأواء، وعلى الجوع، ويطردون من البلاد ويؤذون، ويصبرون على ذلك كله، ويكون القابض منهم على دينه مثل القابض على الجمر، فيقول بعض المتأخرين:
يا غربة الدين والمستمسكون به
كقابض الجمر صبرا وهو يتقد

فهؤلاء هم الغرباء الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء وفسرهم بأنهم النزاع من القبائل؛ من هذه القبيلة بأسرها واحد، ومن هذه البلدة واحد، ومن هذه البلدة واحد تكثر الفتن في زمانهم، وتكثر المضلات، والشهوات، وتفشو المنكرات، ومع ذلك يعصمون أنفسهم مع الدوافع التي تدفعهم إلى هذه المنكرات، ثم يهجرون البلاد، ويبتعدون عنها؛ وذلك كله حرصا منهم على أن يسلم لهم دينهم، وأن تسلم لهم عقيدتهم. لا شك أن هذا مما يضاعف أجرهم، فيستحقون أجر خمسين من الصحابة يعني: في العمل لا في الفضيلة. هذا هو الجواب.
يعني: هم يثابون ثواب عمل خمسين عامل يعني: الصلاة منهم تضاعف كخمسين صلاة في ذلك العهد، ولكن لا يمشي ذلك على فضل الشخص. فضيلة الصحابة لا يدانيها أحد؛ ولهذا قلنا: إن الصحابة حازوا العدالة، وحازوا الصدق، وحازوا السبق، فلا يدانيهم أحد في ذلك، فعلى هذا إنما هذا في حق مضاعفة العمل إلى خمسين لا في فضيلة العامل نفسه.
س: فضيلة الشيخ يقول السائل: إنني أحبك في الله، وكثير من الأسئلة وردت في محبة الشيخ، وهذا من باب الأمانة.
وأما السؤال فيقول: ما توجيه فضيلتكم في الكتب التي يبدأ بها طالب العلم ليلتحق برفق السلف؟ نقول: ونحن أيضا نحبكم في الله، ونحب كل من يحب الله، ونقول: إن ما يتعلق بالعقيدة في منهج السلف موجود موفر بحمد الله، وننصح بقراءة الكتب التي رسمت بالسنة. وهناك كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد وأكثره رواه عن أبيه.
وهناك كتب عقيدة فيما يتعلق بالعقيدة مطبوعة للإمام أحمد رحمه الله، فإنه كتب كتبا كثيرة فيما يتعلق بالعقيدة طبع منها عدد، ومنها رسالته التي تسمى بالرد على الجهمية، أو الرد على الزنادقة، فيما شكوا فيه من متشابه القرآن، والجواب عن ذلك.
وهناك كتاب السنة لابن أبي عاصم ولد أبي عاصم النبيل أحد مشائخ البخاري هذا الابن له كتاب مطبوع في مجلدين تضمنه كتاب أحاديث وآثارا تتعلق بالعقيدة -عقيدة السلف.
وهناك كتابان لعثمان بن سعيد الدارمي أحدهما في الرد على الجهمية، والثاني في الرد على المريسي وكلاهما يتبين منه عقيدة السلف، وما أيد به عقيدة السلف من الآثار، ومن الأحاديث وما أشبه ذلك مما فتح الله تعالى به عليه.
وهناك كتاب الإيمان لابن أبي شيبة ولغيره أيضا وكتاب الإيمان لابن منده وكتاب التوحيد له أيضا لابن منده هؤلاء كلهم من سلف الأمة، وإن كان بعضهم أدرك القرن الثالث، ولكن غالب علومهم مأخوذة عن السلف رحمهم الله، وبعضهم في القرن الرابع يعني: أدرك الرابع، وعلومهم مروية بالأسانيد، فهي من علوم السلف الموروثة عنهم، فمن أراد أخذها من معادنها فليرجع إلى هذه الكتب.
ومن أرادها ملخصة، فليقرأ ما كتبه علماء الأمة ككتب شيخ الإسلام ابن تيمية كالعقيدة الواسطية، والتدمرية، والحموية وما أشبهها من العقائد التي كتبها لأهل السنة.
وكذلك كتب لتلميذه ابن القيم كاجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، وكالصواعق المرسلة، وما أشبهها.
ولبعض المتأخرين أيضا كتب فيما يتعلق بذلك كشروح العقيدة الواسطية لابن سلمان ولابن رشيد ونحوهما وشرح الحافظ الحكمي على منظومته الذى سماه معارج القبول في شرح سلم الوصول. كلاهما يؤخذ منه ما يتعلق بعلم السلف فيما يتعلق بالعقيدة.
أما ما يتعلق بالأعمال فهي أيضا كثيرة، فإن أراد الأنسان أن يقتصر على الآثار، فليقرأ في الصحيحين أو مختصراتهما، وإن أراد أن يتوسع فليقرأ السنن أو ما جمعت فيه من الكتب، وإن أراد أن يقرأ كتب الفقه فليقرأ ما كتبه الأولون، ولو كان متفاوتا ولكن يحرص على ما كتبه العلماء الذين يذكرون الأدلة مع النصوص، وبذلك يكون أن شاء الله حائزا على العلم والعمل.
س: فضيلة الشيخ: ما حكم من سب أحدا من الصحابة، أو من السلف الصالح، أو قال: هم رجال ونحن رجال؟
كلمة هم رجال ونحن رجال، إن قصد بها التنقص من علمهم، فلا شك أن هذا ذم لهم، والذم فيه طعن على السلف في علومهم.
وإن قصد بها أننا نقدر على الاستنباط كما يقدرون على ذلك. وصلتنا الآثار فنقدر على أن نحفظ وأن نستنبط، فلا بأس بذلك كما قاله أبو حنيفة لما نقل له بعض مخالفات التابعين، فقال: إذا جاء القول عن الرسول فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن الصحابة فعلى العين والرأس، وإذا جاء عن التابعين فنحن رجال وهم رجال؛ ذلك لأن أبا حنيفة كان من صغار التابعين.
أما السب، فإن كان يقصد به العيب والذم لمذهبهم، فلا شك أن هذا ذم للحق، وذم للسنة، وذم للعقيدة السلفية، وتنقص لمن زكاهم الرسول عليه الصلاة والسلام ولمن ذكر الله فضلهم من الصحابة ونحوهم.
وإن كان قصده يعني: بذمهم ذم أشخاص معينين، حصل من بعضهم أخطاء إما اجتهادية، وإما أخطاء تقليدية، فمثل هذا السب ولو كان معذورا، لكن ينبغي أن يعذرهم، ولا يوجه اللوم إليهم ولا العتاب. فإذا عثرنا على خطأ من أخطاء السلف، أو قول مرجوح من أقوالهم، عذرناهم والتمسنا ما يبرر موقفهم.
ولقد أنصف الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث كتب أعذارهم في رسالة له سماها رفع الملام عن الإئمة الأعلام اعتذر فيها عن السلف أو عن العلماء أو عن الأئمة الذين خالفوا بعض السنة. رويت عنهم أقوال مخالفة لبعض السنة، فبين عذرهم بذلك، فاتضح بذلك أن ليس أحدا منهم تأتيه السنة واضحة ويردها، بل لا بد أن يكون هناك عذر.
فنحن علينا أن نعذرهم ولا نسبهم ولا نتنقص علومهم، وكذلك لا نسب أحدا معينا إلا إذا ظهرت له السنة واضحة فعاند واتبع الباطل وقلد في دين الله الرجال الذين على خطأ وهم معذورون وهو ليس بمعذور، فهذا المعاند المصر بعد قيام الحجة عليه هو الذي يتوجه إليه السب واللوم.

س: فضيلة الشيخ. هل فضيلة السلف على وجه العموم أم على وجه الخصوص بمعنى: أن هناك علماء مجددين كشيخ الإسلام ابن تيمية وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب فهل لهم فضل السلف ويكونون بمنزلتهم؟
نعم، معلوم أن بين السلف وفي القرون المفضلة كما ذكرنا بعض العصاة، وبعض المبتدعين، وبعض المخرفين، وبعض الجهلة، وبعض الذين اشتغلوا بعلم مغاير لعلم السلف؛ إذن فليس كل السلف يتوجه لهم المدح، بل فيهم من يتوجه إليه الذم واللوم.
ثم نقول: ليس كل الخلف مذمومين. كل الخلف الذين جاءوا بعدهم لا نذمهم كلا، ولا نوجه إليهم العتاب، ولا نتنقصهم كلهم، بل فيهم علماء، وفيهم متمسكون بسيرة السلف وسائرون عليها ومجددون لها. لكن نحن نبني على الغالب، فنقول: الأغلب في عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم أن الحق ظاهر، وأن السنة قوية، وأن المبتدعين والعصاة قليلون وأذلة.
والغالب على القرون المتأخرة من القرن الرابع وما بعده أن الجهل بالسنة وبالعقيدة أكثر ولو كان هناك علماء وفطاحلة من الأكابر.
ويوجد أيضا من هم سائرون على طريقة السلف، ومن هم متمسكون بسنتهم في كل قرن؛ وذلك لتتحقق وراثة هذا الدين، وحفظ الله تعالى له؛ لأن الله تكفل بحفظه قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .
فهؤلاء الحفظة العلماء في كل زمان، هم الذين قيدهم الله تعالى لحفظ شريعته، ولتبليغ دينه حتى تقوم الحجة على الناس كلهم.
كذلك أيضا قد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن هناك طائفة متمسكة بالحق فقال: لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله، وهم على ذلك فهذه الطائفة لا بد أنها موجودة في كل زمان في القرن الرابع وفي الخامس وهلم جرا إلى أن يأتي أمر الله تعالى.
فإذن لا نقول: إن جميع الخلف كلا مذمومون، بل فيهم الطائفة المنصورة القائمون بالحق، وفيهم علماء أجلاء قيدهم الله تعالى لحفظ الشريعة ولتبليغها ولبيانها، ومن أشهرهم شيخ الإسلام ابن تيمية آباؤه وأجداده ومشائخه، وأهل مذهبه كانوا على الطريقة، وكانوا على السنة، ولكن لم يكن منهم من جهر بالحق مثله. فإن مشائخهم وأهل زمانه من أهل كل مذهب غالبا مخالفون للسلف في باب العقيدة فيما يتعلق بإثبات الصفات.
ولما رأى فشو تلك العقيدة في هذه القرون وفي هذه الأزمنة، رأى أن يصارح أهلها وأن يظهر لهم عقيدة السلف، وأن يبينها لهم، فلما بينها لهم أنكروا عليه غاية الإنكار، وشنعوا عليه غاية الشناعة، وردوا عليه وضللوه، وسجن عدة مرات كما هو مشهور، وأبعد عن بلده التي هي دمشق حتى بقي في مصر أكثر من سبع سنين أو نحوها، كل ذلك لأجل مناظرة الحق ولأجل نصر الحق، ونفع الله تعالى به ونفع الله بعلومه.
وهكذا في كل زمان يقيض الله من يجدد الدين كالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ومن تبعه من أبنائه ومشائخه وأحفاده، ومن نصره من أمراء هذه الدولة أيدهم الله ونحوهم لا شك أن هؤلاء ممن حفظ الله تعالى بهم شريعته ودينه.
س: كان لنساء السلف الصالح أكبر الأثر في تربية أجيال السلف، فما توجيه فضيلتكم لبعض النساء اللاتي تركن تربية الأبناء إلى الخادمات والمربيات؟
صحيح أن السلف رحمهم الله رجالا ونساء كانوا لهم الأثر في التربية الصحيحة.
فالرجال لقنوا أبناءهم العقيدة السليمة والعمل الصالح، والنساء لقن أبناءهن أيضا ودربنهن على ما علمنه وعلى ما عرفن.
فمثلا: مشهور أن نساء الصحابة رضي الله عنهم وأمهات المؤمنين كان منهن من حفظن كثيرا من العلوم، ومن عملن كثيرا من الأعمال، ومن قمن بتربية الأولاد تربية دينية وتنشئة إسلامية.
كان من آثار ذلك أن ظهر أولئك الأولاد وأولئك الذرية على الدين الحنيف على الدين المستقيم من آثار التعليم في الصغر، ومن آثار الحفظ والتنشئة وتولي ذلك.
فالمرأة التي تتولى تربية أولادها، وهي ذات عقيدة وفطرة سليمة لا شك أنها تلقنهم في الصغر بالكلمات الطيبة، وبالعقيدة السلفية، وتعلمهم شيئا فشيئا.
وأما إذا اشتغلت بنفسها، ووكلت التربية إلى خادمة، إما كافرة، وإما جاهلة، وإما أمية، وإما أعجمية، وكلت التربية والتنشئة إليها، فلا شك أن ذلك الولد سيخرج وينشأ جاهلا بهذه العقيدة وبآثارها وبوقعها في القلوب، وجاهلا بمحبة العمل الذي هو نتيجتها، فلا يكون لذلك أثر في حياته ولو لقن بعد ذلك وعلم؛ لأن العادة أنه بعد ما يكمل السابعة أو يشرع فيها ينتظم في الدراسة النظامية، ولكن غالبا أن المدارس إنما تلقنه الألفاظ لا تلقنه المعاني، وإن لقن المعاني، لم يلقن العمل.
فأولياء الأطفال، وكذلك مربياتهم من أمهاتهم عليهم مسئولية التلقين العملي وهو: أن يقال: ماذا حفظت، وماذا تزودت به؟ إذا قال: حفظت كذا وكذا قيل: معناه كذا وكذا، طريقة العمل به كذا وكذا. وهذه هي كيفيته.
فإذا وفق مربية صالحة وأُمًّا حنونا مشفقة على أولادها محبة للخير، فإنها في الحقيقة ستحرص على تنشئة ولدها كما حصل في تنشئة أولاد السلف.
لا شك أن أولاد الصحابة لما نشئوا التنشئة الصحيحة السليمة كان من آثارهم الإيمان القوي الذي نفع الله به؛ حيث نشروا العلم، ونشروا العمل، وجاهدوا في الله تعالى حق جهاده، وعلموا من بعدهم وبلغوا الشريعة، وعملوا بها وبلغوها إلى من بعدهم.
وأن من آثار التربية السيئة والتعليم السيئ الإهمال والتكاسل وفشو الجهل وفشو المعاصي والخرافات والبدع.
نشكر الله لفضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين على ما قدم، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما سمعنا، ونعتذر للإخوة بأنه لم نستطع من تقديم الأسئلة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن تتكرر مثل هذه المحاضرات والندوات لكي نجيب على الأسئلة الفقهية التي ترد في المحاضرات القادمة إن شاء الله، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا العمل في ميزان أعمال الجميع وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

line-bottom